النباتات الطبية تلبي حاجة أجهزة جسم الانسان .... وفيها الشفاء والعلاج

حين اكتشف العالم البريطاني ( جون مارشال ) مدينة موهنجودارو في الهند وجد من الآثار ما يشير إلى إن سكان الهند عرفوا خصائص الأربطة العضلية والضفائر العصبية وكان لديهم أكثر من ألف نوع من النباتات الطبية , وتشير جميع المؤلفات التي تعنى بتاريخ الطب إلى دور العرب الرائد في حركة الترجمة والتأليف ونقل الحضارات الأخرى كالحضارة الصينية والهندية والفارسية , ولم يقتصر دورهم على النقل والترجمة بل أضافوا عليها لمسة من حضارتهم وتراثهم العربي التليد وبرع العرب في شتى أنواع العلوم فكان منهم فلاسفة كبار أمثال ابن رشد ومنهم علماء فلك وكيمياء ونبات مثال ابن البيطار وابن القف ورشيد الدين ابن الصوري الذي اشتهر بكتابه عن نباتات جبل لبنان حيث رصد ورسم نباتاتها ومع الأسف اندثر قسم كبير من مؤلفه هذا ولم يصل إلينا إلا النذر القليل .

إن التطور الهائل الذي تم في مجال المواد التخليقية أدى إلى ظهور عدد من الأدوية ذات المنشأ الكيميائي وتم التوصل إلى زمر دوائية ذات تأثيرات رائعة ومع هذا التطور السريع والمتسارع بقيت النباتات الطبية مصدرا هاماً لأدوية كنبات الديجيتال لاستخلاص الفلوكوزيدات المقوية للقلب والخشخاش الأبيض المنوم لاستخلاص المورفين .

إن التأثيرات الجانبية للأدوية ذات المنشأ الكيميائي اعطى أهمية خاصة للمعالجة بالنباتات الطبية لم يلغ دورها الهام في المعالجة .

المعالجة بالنباتات الطبية :

تعد المعالجة بالنباتات الطبية من أقدم الوسائل العلاجية التي استخدمها الانسان وبقيت ردحا طويلا من الزمن إلى أن تم اكتشاف الأدوية الجديدة ذات التأثيرات المدهشة والتي اعتمدت على تطور علم الكيمياء وأدت إلى إلى تقهقر المعالجة بالنباتات االطبية حيث بقيت في الظل في حين تم تطور الاصطناع الكيميائي للأدوية تطوراً سريعاً وظهرت بعد فترة من استعمال الادوية المصنعة كيميائياً آثار بالغة الخطورة وأدى بعضها إلى ظهور تشوهات عند الأجنحة ومع ذلك فإن هذه الآثار الجانبية لم تحد من استعمالها لتمتعها بقدرة دوائية من جهة ولسرعة تأثيرها من جهة أخرى .

هذه المخادير دعت بعض العلماء إلى العودة إلى الطبيعة وأخذت المعالجة بالنباتات الطبية أبعادها في السنوات الأخيرة من القرن الماضي . ومن المعلوم أن نبات اللحلاح ان نبات اللحلاح استخدم في القرن الخامس لمعالجة داء الملوك الناجم عن ترسب جمض البول في المفاصل ولاسيما مفاصل القدمين وتمكن العالم النمساوي ستورخ من عزل مادة الكولشيسين في عام /1819/ ورغم ظهور أجيال جديدة من الأدوية الخافضة لحمض البول في الدم إلا أن الكولشيسين ما زال الدواء السحري ولاسيما بعد اكتشاف تاثيراته المدهشة في حالات حمى البحر الأبيض المتوسط .

ويعود إلى العالم اليوناني (( يتوفراست )) الفضل في اكتشاف التأثير الطارد للديدان لطحلب كورسيكا وفي عام /1775/ تمكن (( ستيفانبولي )) وهو طبيب كورسيكي من تفسير الية تأثير طحلب كورسيكا الطاردة للديدان .

كما عرف رعاة الغنم تأثيرات نبات الوزال التي تكسب الغنم مناعة ضد لسعات الأفاعي إلى أن تمكن العالم (( بيلارد )) من مدينة كليرمكون فيران من وضع مزيج من كبريتات السبارتئين مع سم الأفاعي ليزول تاثير سم الأفاعي نهائياً .

ومن الطريف ان يجد العالم (( دافيني )) في عام /1878/ ان عصارة أوراق الجوز التي تمزج مع دم حيوان مصاب بالجمرة الخبيثة وتترك لمدة نصف ساعة تفقد تأثيراتها المرضية بعد حقنها لخنزير الهند .واستخدم نبات ( بقلة الملك ) منشطا للكبد ومفرغا للفراء وقد ذكر ابن سينا التأثيرات الدوائية لهذا النبات بكثير من الدقة وأثبتت المواد الفعالة المعزولة من هذا النبات هذه اتأثيرات الذي ذكرها ابن سينا منذ أكثر من عشرة قرون .

ودرس العالمان الإنكليزيان (( بيستروان )) و (( ايفان جونز )) تأثيرات كبريتات اللامينارين المستخلص من الاشنيات على الكولسترول وأثبتا تأثيراتها الخافضة لكولسترول الدم ودورها الفعال في تنقية بلازما الدم من الشحوم بعد تناول وجبة غنية بالدسم . وفي نشرة علمية لهما في عام /1957/ أشارا إلى تأثيرات كبريتات اللامينازين الواقية من حدوث احتشاء العضلة القلبية وأكدا تأثيراتها المميعة للدم .

المعالجة بالزيوت العطرية :

إن المعالجة بالزيوت العطرية هو جزء من المعالجة بالنباتات الطبية ويعود استخدام الزيوت العطرية إلى عهود موغلة في القدم وقد استخدمت النباتات العطرية ووجدت أدوات وقوارير أثرية وأجهزة استخلاص ولعل اشهرها جهاز الانبيق وهو أول جهاز استخدمه العرب لتقطير الورود والحصول على العطور وأقيمت أول صيدلية في تاريخ البشرية في مدينة بغداد في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور وانتشرت دكاكين العطارين وأقيم أول نظام لمراقبة هذه الدكاكين وهو نظام الحسبة وهو نظام تفتيش صارم ومراقبة للعقاقير منعاً للغش والتدليس .

استخدمت الزيوت العطرية مهدئة للجملة العصبية ومطهرة للمسالك البولية نظرا لأن جميع المكونات الفعالة تنطرح عن طريق البول وخارجيا مطهرة ومضادة للجراثيم .

إن التهابات المثانة تحدث آلاما مضنية وغالبا ما تصبح معدة على العلاج والمعالجة بالنباتات الطبية أو الزيوت العطرية يؤدي إلى الشفاء التام وقد استخدم أبو بكر الرازي زيت الورد ممزوجا مع الأفيون لمعالجة التهابات المثانة مستفيدا من الخاصة المطهرة للزيت العطري والخاصة المسكنة للألم التي يتمتع بها الأفيون وقد أطلق على هذا النوع اسم المعالجة بالنباتات العطرية وانتشرت هذه المعالجة في بغداد في حوانيت العطارين الغنية بكل أنواع الزيوت العطرية كما ازدانت بيوت دمشق وبغداد والبيمارستانات بالورود المتنوعة التي ضاع عطرها في كل مكان وانتشر اريجها في كل دار وكل زاوية واستخدمت هذه الورود والنباتات بشكل منقوع تارة وبشكل زيت تارة أخرى , وتوارثت الأجيال هذه الصناعة فكانت صناعة العطارة من أهم الصناعات التي اتسم بها ذلك العصر .

لقد أشارت الأبحاث العديدة على النباتات الطبية إلى ان تأثيراتها على الجسم أقل شدة من الأدوية المصنعة كيميائيا نظرا لوجود عدد كبير من المكونات داخل النبات والتي تشكل معقدات مع الجواهر الفعالة حيث تلجم تأثيراتها الشديدة وتخفف من فوعتها , ان استخدام المعالجة بالنباتات الطبية والخلاصات الطبية منذ آلاف السنين أثبت عن طريق التجربة والمشاهدة الاستخدام الآمن لهذه النباتات وسمح بإعطائها حقها من التقدير وتدقيق الآثار الجانبية الناجمة عن استخدامها .